الحكومة الجديدة وزيادة التغذية بالطاقة الكهربائية
كتب العميد المتقاعد الدكتور غازي محمود :
غداة إقرار حكومة الإصلاح والإنقاذ لبيانها الوزاري، تتجه أنظار اللبنانيين الى قطاعي الطاقة الكهربائية والتنقيب عن النفط والغاز، حيث تعهدت الحكومة بزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، بالإضافة الى استئناف العمل في التنقيب عن النفط والغاز. سيما وأن قطاع الكهرباء كان احد الأسباب الرئيسية للازمة المالية والاقتصادية التي لا يزال يُعاني منها لبنان، فيما فشل رهان اللبنانيين أن يحد استخراج النفط والغاز من استيراد الفيول وأن تُساهم عائداتهما في إطفاء الدين العام او الجزء الأكبر منه.
وتواجه محاولات تطوير قطاع الطاقة الكهربائية العرقلة والتعطيل منذ أُطلقت مشاريع إعادة الاعمار بعد ان حطت الحرب رحالها في مطلع التسعينيات. حيث تسببت التجاذبات السياسية بين قوى السلطة والتعطيل بتحويل قطاع الطاقة الكهربائية من مرفق استراتيجي بما يُوفره من طاقة تشغيلية لكافة القطاعات الاقتصادية ومصدر لتمويل خزينة الدولة، الى ساحةٍ لتصفية الحسابات السياسية والسجالات العقيمة بين اطرافها.
بدورها محاولات إنتاج الطاقة الكهربائية من حركة الرياح واجهت عراقيل نتيجة المماطلة في تعديل القانون 462/2002، ليتعذر بعدها الحصول على التمويل الخارجي بسبب الازمة المالية والاقتصادية. علماً أن هذا التعديل أنهى احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لإنتاج الكهرباء، وأعطى الحق لمجلس الوزراء بمنح التراخيص بصورة موقتة لمدة سنتين، والتي كانت من نصيب كل من "عكار المستدامة"، "طاقة الرياح في لبنان"، و"هوا عكار" بقدرة يبلغ مجموعها 200 ميغاواط، بموجب القرار الرقم 43 تاريخ 2/11/2017.
وتسبب الإبقاء على سعر الكيلوواط ساعة أدنى من كلفته الحقيقية على مدى عقود، بجعل مؤسسة كهرباء لبنان تحتاج الى تمويل دائم من الخزينة العامة لتشغيل المعامل وصيانتها، الامر الذي عرقل خطط تطوير المؤسسة وارتفاع الدين العام. كما ساهم تدني السعر في عدم اهتمام اللبنانيين بالتحول الى الطاقة المتجددة، فيما لم تبادر الدولة الى التشجيع على التحول الى الطاقة المتجددة، على الرغم من ميزاتها لجهة الاستدامة والتكلفة المعقولة.
وجاء إقرار حكومة تصريف الاعمال في آذار/مارس 2020، للخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء في لبنان، لمعالجة تعثر انتاج وتوزيع الكهرباء من قبل مؤسسة كهرباء لبنان بعد توقفها في أيلول من العام 2021. وعلى اهمية خطة الكهرباء الأخيرة إلا أنها اقتصرت على معالجة انتاج وتوزيع الكهرباء المنتجة من معامل مؤسسة كهرباء لبنان الحرارية، من دون غيرها من المصادر التي يُمكن ان تتكامل فيما بينها للوصول الى عدد اكبر من ساعات التغذية.
وعلى الرغم من زيادة ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية التي توفرها مؤسسة كهرباء لبنان، تستمر معاناة اللبنانيين نتيجة عدم انتظام التغذية وعدم الاعلان عن مواعيدها، الامر الذي يحول دون استفادة المواطنين من ساعات التغذية بالشكل الامثل. وما يزيد من معاناة اللبنانيين، ارتفاع قيمة فواتير مؤسسة كهرباء لبنان والتأخير في اصدارها، وتركهم لقمةً سائغة لأطماع أصحاب المولدات وفواتيرهم الباهظة والموجعة.
وفي خضم الازمة المالية التي يتخبط فيها لبنان وصعوبة توافر مصادر تمويل مناسبة لاستثمارها في قطاع الطاقة، لا بد من تفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة والنظيفة. ولا بد لأي خطة جديدة من أن ترتكز على المقدرات الوطنية لا سيما منها مياه الأنهر والبحر، حركة الرياح واشعة الشمس، ومعالجة النفايات الصلبة بالإضافة الى المعامل العاملة حالياً المائية منها والحرارية وحتى المولدات الخاصة.
ومما لا شك فيه أن حل أزمة الطاقة الكهربائية تبدأ بإرساء الحوكمة الرشيدة وتطبيق مبدأ المسائلة والمحاسبة، ذلك أن تقيد المسؤولين بالأحكام القانونية والعمل على تنفيذها هو شرط نجاح اي خطة مستقبلية. سيما وأن بوادر تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي اكتملت مع تشكيل حكومة الإصلاح والإنقاذ، الامر الي يُمهد لجذب الاستثمارات التي لا بد منها للنهوض بالاقتصاد الوطني ككل وليس بالكهرباء وحسب. أما الخطوات الواجب اتخاذها لحل أزمة الكهرباء فيمكن إيجازها بما يلي:
- الحؤول دون التعديات على خطوط النقل والتوزيع وسرقة الكهرباء وانزال اشد العقوبات بمرتكبيها.
- تسريع إصدار فواتير مؤسسة كهرباء لبنان ما يسمح للمستهلك بمراقبة وترشيد استهلاكه.
- العمل على تشغيل معملي عرمان والزهراني على الغاز الطبيعي بدلاً من الفيول، مما يُساهم في تخفيض كلفة الإنتاج ويخفف من الضرر البيئي.
- إعادة تأهيل المعامل الكهرومائية والعمل على تطويرها وإقامة معامل كهرومائية جديدة باعتماد التقنيات الحديثة التي لا تحتاج لضغط مياه مرتفع.
- تحفيز إقامة محطات طاقة شمسية لإنتاج الكهرباء من خلال البلديات والمجتمع المحلي.
- إعادة النظر بسعر الكيلوواط المُنتج من الطاقة الشمسية والذي تشتريه مؤسسة كهرباء لبنان من المنتجين الأفراد لتحفيزهم على انتاج سعات أكبر من الكهرباء.
- إعطاء الضمانات المالية والتسهيلات الممكنة لمشاريع الطاقة الهوائية بما يُساعد على تنويع مصادر الكهرباء واستدامة التغذية.
- معالجة مطامر النفايات للاستفادة من انبعاثات غاز الميتان في توليد الكهرباء على غرار مطمر الناعمة، للحد من المخاطر البيئية لهذه المطامر والحؤول دون انفجارها.
- إقامة معامل لمعالجة النفايات الصلبة يتم من خلالها إنتاج الطاقة الكهربائية والتخلص من النفايات في الوقت عينه.
أما بعد، إن الآمال كبيرة بالعهد الجديد والحكومة العتيدة في تفعيل الخدمات العامة، ومن ضمنها تأمين استدامة التغذية بالطاقة الكهربائية. ذلك أن هذه الخدمات هي حق للمواطن على دولته، ومن واجب كل من يتولى شأناً عاماً ان يبذل قُصارى جهده لتوفيرها على افضل وجه وأدنى كلفة وفي الوقت المناسب.
ولا بد للقيمين على الشأن العام من العمل الجاد على إعادة الإدارات والمؤسسات العامة الى نشاطها، وشحذ الهمم لتحديثها وتطويرها لمواكبة روح العصر ومتطلباته قبل فوات الأوان وحيث لا ينفع الندم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|